تابعت المؤسسات الحقوقية والأهلية الفلسطينية إنشاء الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب منذ انضمام دولة فلسطين للبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب في العام 2017، وأجرت على مدار أربع سنوات حواراً مع الفريق الحكومي الرسمي بشأن إنفاذ الالتزامات المترتبة على دولة فلسطين بموجب الانضمام للبروتكول؛ والمتمثلة بإنشاء آلية وطنية للوقاية من التعذيب، وجرى تقديم العديد من الأوراق والمقترحات، والتي توصلت بنتيجتها إلى مشروع يتواءم مع البروتوكول والمبادئ التوجيهية الصادرة بمقتضاه؛ بشأن إنشاء الآليات الوطنية للوقاية من التعذيب بما يكفل حيادها واستقلاليتها عن السلطة التنفيذية، كذلك استقلالها المالي والمؤسساتي؛ والاستقلال الشخصي لأعضائها، وضمان توفير الموارد المالية لها.
وبالرغم من التأخير الكبير في تنفيذ دولة فلسطين لالتزامها بشأن إنشاء الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، فوجئت المؤسسات الأهلية والحقوقية بصدور القرار بقانون رقم (25) لسنة 2022 بشأن الهيئة الوطنية لمناهضة لتعذيب، والذي جاء مخالفاً لأهم المبادئ التي جرى التوافق بشأنها خلال الحوار بين المؤسسات والفريق الحكومي المكلف بإعداد مشروع الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، كذلك خالف التزامات فلسطين بموجب البروتوكول والمبادئ التوجيهية الصادرة بمقتضاه بشأن إنشاء الآليات الوطنية، بما يعزز من استمرار السلطة التنفيذية بذات النهج في الاستحواذ والسيطرة على الهيئات الوطنية، مما يفقدها قدرتها على أداء المهام المناطة بها باستقلالية وحيادية. ويعكس عدم قدرة الآلية وفق القرار بقانون المذكور على اجتياز اختبار الاستقلالية والحيادية منذ انطلاقتها بما يجعلها جسماً رسمياً شكلياً اضافياً على حساب ألم ومعاناة ضحايا التعذيب وسوء المعاملة،
تعتبر المؤسسات أن القرار بقانون المذكور هدم في العديد من نصوصه مبادئ استقلالية الآلية، حيث اعتبر الآلية الوطنية لمناهضة التعذيب مؤسسة دولة وهيئة حكومية تنطبق عليها كافة القوانين والتشريعات ذات الصلة بالمؤسسات الرسمية، كذلك اعتبر رئيس الهيئة ونائبه والعاملين في الهيئة موظفين رسميين ينطبق عليهم قانون الخدمة المدنية، كذلك خضوع معاملات الشراء والاستدراج لقانون الشراء العام بما يجعل الآلية هيئة حكومية كاملة، بالإضافة إلى طريقة تعيين أعضاء الآلية من قبل الرئيس بناء على تنسيب مجلس الوزراء في كل مرة. بمخالفة لالتزامات فلسطين بموجب الانضمام للبرتوكول الاختياري، والتي تتطلب اتخاذ اقصى معايير الشفافية والاستقلالية واعتماد ذات النهج عند اختيار الأعضاء وفق ما يجري عليه اختيار أعضاء مفوضي الهيئات الوطنية لحقوق الإنسان، إضافة للعديد من المخالفات التي تفقد الآلية الاستقلالية والحيادية والموضوعية على الصعد كافة.
تعتبر المؤسسات صدور القرار بقانون في هذا التوقيت، وقبل شهرين من موعد مناقشة لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة للتقرير الأولي لدولة فلسطين بشأن التزاماتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول الملحق بها، انما هو محاولة لتحسين صورة فلسطين أمام اللجنة بعد مرور خمس سنوات على التزامها بإنشاء الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، إلا أن صدور هذا القرار بقانون بهذا الشكل المخالف للمعايير الدولية والتزامات دولة فلسطين سيكون له انعكاس سلبي على صورة فلسطين أمام لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة وغيرها من لجان المعاهدات والهيئات الدولية.
تؤكد المؤسسات على أن صدور القرار بقانون المذكور هو استمرار لنهج اصدار القرارات بقانون خلافاً لمتطلبات القانون الأساسي المعدل، وتؤكد على أن إنشاء الالية الوطنية يمكن بآليات أخرى غير القرارات بقانون، وتشير المؤسسات إلى أن صدور القرار بقانون المذكور خلافاً لمخرجات الحوار ما بين المؤسسات والفريق الحكومي تكررت في أكثر من مناسبة، بما يجعل من الحوار هو اجراء شكلي تتخذه الحكومة لتجميل الصورة، مما يتطلب من المؤسسات مراجعة مشاركتها في الحوارات المشابهة حفاظاً على الوقت والموارد وعدم استخدام المؤسسات لتجميل المشهد الرسمي.
تؤكد المؤسسات على رفضها لهذا القرار بقانون وتطالب بإلغائه؛ والعودة إلى مخرجات الحوار التي جرى التوافق حوله بشأن تشكيل الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، وتدعو المؤسسات الحقوقية والشخصيات القانونية والاجتماعية إلى عدم المشاركة في عضوية الآلية وفق الصيغة المذكورة، وأنها سوف تُضمنُ تقاريرها للجنة مناهضة التعذيب الملاحظات التفصيلية على القرار بقانون التي تنتهك التزامات دولة فلسطين بموجب انضمامها لاتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول المحلق بها.
انتهى
المؤسسات الموقعة