قال الدكتور عاصم خليل، استاذ القانون الدستوري في جامعة بيرزيت، أن قرار المحكمة الدستورية حول مكانة الاتفاقيات الدولية قرار اتسم بالغموض، وصادر عن جهة ليست ذات اختصاص لاصدار قاعدة قانونية جديدة تنظم مكانة الاتفاقيات الدولية في النظام القانوني الفلسطيني.
وقال خليل ان هذا الاختصاص من صلاحية السلطة الدستورية القرار بهذا الخصوص من خلال نص الدستور بحيث يتم تحديد مكانة الاتفاقيات الدولية والتمييز بين الاتفاقيات الثنائية الدولية والاتفاقيات الخاصة بحقوق الانسان. في الوقت الذي يكون فيه للعرف الدولي مكانة خاصة ويكون ملزما في كافة الانظمة القانونية.
وجاءت اقواله خلال مقابلة له مع "برنامج المنتدى القضائي" الذي تعده الهيئة الأهلية لإستقلال القضاء وسيادة القانون (استقلال) بالشراكة مع اذاعة 24 اف ام، الذي يقدمه الإعلامي المختص في الشأن القضائي ماجد العاروري، والذي شارك فيه ايضاً الدكتورة سناء سرغلي، استاذة القانون الدستوري في جامعة النجاح الوطنية. يذر ان هذا البرنامج يأتي بدعم من برنامج سواسية المشترك بين برنامج الأمم المتحدة الانمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة واليونسيف (تعزيز وصول الشعب الفلسطيني للعدالة والأمن ٢٠١٤-٢٠١٨)
وأضاف خليل أن القاعدة القانونية ان لم تصدر من المشرع الدستوري فان الجهة التي تصدر القرارات بهذا الخصوص في حالة وجود نزاع قائم هي محكمة الصلح وحدها؛ فهي المختصة بان تقرر مكانة الإتفاقية الدولية في النزاع القائم أمامها، واذا قرر قاضي الصلح ان يطبق الاتفاقية الدولية او ان لا يطبقها فهذا يكون موضوع استئناف لدى محكمة الاستئناف ولدى محكمة النقض اخيرا.
واضاف خليل فيما يتعلق بهذه القضية بان الاختصاص المعطى للمحكمة الدستورية قد تم تنظيمه بطريقة خاصة وليست عامة حيث اشار في القرار بان على المحكمة ان ترفض النظر في أية قضية لم تستوفي شروط الدفع الفرعي او حالة او التصدي او الطعن المباشر.
"الصلح" هي المختصة وعلى الدستورية ان تنأى بنفسها
وأكد خليل ان المحكمة المختصة لا تستطيع ان ترفض البت في قضية بحجة انه لا يوجد نص قانوني ينظم هذه القضية، فالمطلوب من محكمة الموضوع ان تنطق دائما بالقانون، بخلاف المحكمة الدستورية حيث لا يُطلب منها دائما ان تنطق بالقانون حيث المطلوب منها ان تمتنع ان تقول رأيها في موضوع ليس من اختصاصها، لكي يبقى القرار لدى الجهات ذات الاختصاص، حيث اضاف قائلا بان الجهات ذات الاختصاص في هذه القضية حول مكانة الاتفاقيات الدولية هي محكمة الموضوع وكان الأولى على المحكمة الدستورية ان تنأى بنفسها وتحل محل محكمة الموضوع لتقرر مكانة الاتفاقيات الدولية.
قرار الدستورية غير ملزم للمحاكم
واضاف خليل انه عند اقرار المحكمة الدستورية لقضية معينة فان الالزام فيها يتمثل فيما اذا اعتبرت أي قانون غير دستوري فان كافة الجهات ملزمة سواء المشرع بتعديل القانون غير الدستوري والمحاكم ملزمة بعدم تطبيق قانون غير دستوري.
وبين بانه لا يوجد اي شي ملزم في هذا القرار للمحاكم من خلال عدم اقرارها بعدم دستورية الاتفاقية مع الوكالة فيما يتعلق بالمادة 30 والذي هو من اختصاصها واذا لم تجد ما يخالف ذلك عليها ان تقول بان هذه الاتفاقية لا تخالف القانون الاساسي وبالتالي تبقى على حالها. وفيما يتعلق بوصول المحمكة الدستورية لهذا القرار بين خليل بان التحليل الذي تقوم به المحمة الدستورية لا يلزم احد ولا يلزم المحكمة نفسها.
سرغلي: كان على الدستورية تفصيل قرارها
وعن عمل المحاكم الدستورية اشارت الدكتورة سناء سرغلي بان هذه المحاكم تواجه صعوبات في بداية عملها ولكن مع مرور الوقت فان هذه المحاكم تستطيع تقديم الكثير ولكن ليس بالمرحلة الحالية حيث ان بداياتها تكون متعثرة وصعبة نوعا ما، ولكن مع مرور الوقت يصبح عملها افضل، فبالنظر الى عمل المحكمة الدستورية فيما يتعلق بالاتفاقيات الدولية اصبح افضل مما كان عليه سابقا من خلال ابداء المحكمة لرأيها في هذا الموضوع ولكن كان من الافضل للمحكمة الدستورية أن تقوم بتفصيل قراراها بصورة أفضل من ذلك.
المحاكم الدستورية تتجنب النطق في بداية عملها بقضايا شائكة
من جانبه قال خليل بأن المحاكم الدستورية في بداية عملها تواجه صعوبات ولكن هذا لا ينطبق على صحة التحليل الذي يكون في قراراتها، حيث أن المحكمة في هكذا حالة تتجنب اتخاد قرارات في قضايا شائكة وسياسية وإن ما قامت به المحكمة الدستورية في هذه المرحلة هو إستخدام سيء لدعم نظام يتسم بالشمولية من خلال إبداء رأيها في بعض القضايا التي تدعم النظام السياسي القائم.
وقالت سرغلي بانه ليس من وظيفة المحكمة الدستورية ان تقوم بالتشريع، وان هذا القرار الذي ورد لديها كان فرصة للمحكمة الدستورية لتطوير نفسها، خصوصا ان القانون الاساسي لا ينظم عمل المعاهدات الدولية وتقدم بنفس الوقت تحليلا جيدا للقضاء او القانون الدستوري .
قرار الدستورية خلق غموض في تطبيق الإتفاقيات
وأشارت سرغلي بان المحكمة الدستورية لم تتطرق الى مكانة المعاهدات الدولية فيما يتعلق بالدستور او المخالفة الدستورية، وأوضحت أن الاشكالية في هذا القرار أن المحكمة لم تفسر القرار بصورة دستورية أفضل وأن الغموض يحصل ليس في إقرار الاتفاقيات الدولية وانما في آلية تطبيق هذه الاتفاقيات.
وفي معرض رده على تفسير المحكمة الدستورية للقرار أكد خليل بأن المحكمة ما قامت به ليس من ذات اختصاصها وانها بذلك خالفت القانون الاساسي وأن على المحكمة في بعض القضايا في حالة مخالفة القانون لحق أساسي حتى ولو لم يرد ذكره في القانون الاساسي فانه واجب على المحكمة بألا تتقيد بما ورد نصه صراحه في القانون الاساسي.
خليل: الدستورية أخطأت حين فسرت الصمت الدستوري
وأضاف خليل أن المحكمة الدستورية في هذه القضية قد اقترفت خطا من خلال تفسير الصمت الموجود في القانون الاساسي بشكل يخالف نص صريح في هذا القانون والذي يتمثل في المجلس التشريعي صاحب الاختصاص الأصيل بالتشريع مضيفا بان المحكمة الدستورية قد فسرت الصمت بالقانون الاساسي من خلال وجود مشرع آخر يتمثل في المجتمع الدولي من خلال وضع اتفاقية دولية يكون محتواها أعلى من ما يصدر عن المشرع واعتبرها مخالفة صريحة لنص القانون الاساسي وفي هذه الحالة أشار الدكتور خليل بأن المحكمة الدستورية قد أطلقت يد السلطة التنفيذية في ظل عدم وجود تنظيم لالية المصادقة على الاتفاقيات الدولية.
قرار المحكمة افتقر للدراسات المقارنة
وقالت سرغلي بان غياب المجلس التشريعي وعدم وجود مشرع هو الاشكالية الكبيرة وكان أجدر بالمحكمة الدستورية في هذه القضية أن تقوم بعمل دراسة مقارنة مع الدساتير الدولية والتي تنظم بطريقة أو أخرى عمل الاتفاقيات الدولية مشيرة إلى أن المحكمة الدستورية في هذه الحالة قد اتخذت قرارا ولكن بنفس الوقت تقيد نفسها وأن المحكمة الدستورية لجأت لهذا القرار لتبين وتوضح بان المعاهدات الدولية اقوى من القوانين الداخلية وأن المحكمة الدستورية قد تلعب دورا في تماسك النظام الساسي.
الموائمة مع الهوية يكون بتحفظ الدول على الاتفاقيات وليس تطبيقها
وفي معرض رده على قرار المحكمة الدستورية بالاشارة إلى الهوية الدينية والثقافية والوطنية لامكانية عدم تطبيق اتفاقية دولية وربطه بحق التحفظ أوضح خليل أن حق التحفظ هو للدول عند المصادقة او الانضمام لاتفاقية دولية وفي حال المصادقة أو الانضمام يزول هذه الحق وفي حال تحفظ الدولة في هكذا حالة لا تكون كل التحفظات مقبولة خصوصا اذا كان التحفظ عام وبالتالي يفقد الاتفاقية الدولية من محتواها.
القيمة القانونية للدستور الاردني 1952
وحول استخدام ما ورد في الدستور الاردني أضاف خليل بانه من الطبيعي في حال تبني دستور لا يجوز ان نعتد بدستور سابق وهذا يكون صحيحا في حال وجود دستور فلسطيني وليس قانون أساسي حيث أنه ورد في القانون الاساسي بأنه يُلغى ما يتعارض مع القانون الاساسي والذي يفترض ان نفسره بأنه يشمل القوانين السابقة بما في ذلك الدستور الاردني وبالتالي لا يجوز ان نرجع لقانون سابق لاعطاء جهة اختصاص يعلو على المشرع الوطني المتمثل في المجلس التشريعي وفي هذا الغاء ضمني في القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية لأي قاعدة قانونية موجودة في الدستور الاردني تمكن جهات أخرى من خلال اتفاقية دولية أن تستحدث قواعد قانونية تكون أعلى من القانون الصادر بموجب القانون الاساسي والذي هو الاختصاص الاصيل للمجلس التشريعي.
الإتفاقيات الدولية هي التي تصادق عليها دولة فلسطين
وحول مفهوم الاتفاقيات الدولية في ظل الغموض الذي ساد قرار المحكمة الدستورية حيث لم يشر القرار الى مفهوم الاتفاقية ولم يحدد الاتفاقيات المصادق عليها قال خليل بان الاتفاقيات الدولية تكون بين فاعلين دوليين وقد يكون بالاساس بين الدول الذي هو الفاعل الاساسي في القانون الدولي او قد تكون بين دولة او منظمة دولية وفي هذه القضية فان هذه الاتفاقية هي بين منظمة دولية ممثلة بالامم المتحدة / وكالة الغوث وبين فلسطين.
واشار الدكتور خليل بانه في الحالة الفلسطينية فان منظمة التحرير وهي كحركة تحرر وهي من الاستثناءات على القاعدة العامة بان الدول هي ذات الاختصاص في المصادقة على الاتفاقيات الدولية، وعليه وبهذه الصفة كانت تحظى بالفاعلية الدولية والتي تشمل اتفاقيات ذات طابع دولي وتشمل التمثيل السلبي والايجابي في ان تستقبل سفراء وترسل سفراء واضاف الدكتور خليل بانه لم يكن يطبق على الاتفاقيات التي توقع عليها منظمة التحرير اتفاقية فينا، ويعود ذلك بان اتفاقيات فينا مختصة في الاتفاقيات ما بين الدول – وحيث أن الأمم المتحدة ليست دولة فما يطبق على هذه الاتفاقية العرف الدولي الخاص بالاتفاقيات وليس اتفاقية فينا.
وبعد مصادقة الجمعية العامة على اعتبار فلسطين دولة غير عضو مراقب في الامم المتحدة اشار خليل بأن هذا فتح المجال لفلسطين للانضمام لاتفاقيات دولية واصبح هناك قبول لانضمام فلسطين بعد ان كان هناك رفض لمنظمة التحرير في الماضي من دخول اتفاقيات جنيف الاربعة والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.
وفي هذا الصدد اعتبرت سرغلي بان التحليل لو لم يكن ملزما للمحكمة الدستورية كان من الافضل ان يكون مفسر وموضح بصورة افضل وان المحكمة الدستورية في هذه القضية قد اغتنمت هذه الفرصة في القضية التي امامها وقامت باعطاء تفسير جيد فيما يتعلق بنوعية الاتفاقيات.
واوضحت سرغلي بان القانون الاساسي يوجد به الكثير من الثغرات ويجب اعادة صياغة لسد هذه الثغرات للوصول الى دستور صحيح، وان القانون الاساسي حد من صلاحيات المحكمة الدستورية لوجود هذه الثغرات وبالتالي من الطبيعي للمحكمة الدستورية ان تنظر في القانون الاساسي لكن للقانون الاساسي في ما يتعلق بهذا القرار.
وبينت سرغلي بان نظر المحكمة في هذا القرار كان قصير جدا وبالتالي يجب على المحكمة الدستورية النظر الى التجارب المقارنة. وهنا أشار خليل بان التجارب المقارنة يمكن الاعتماد عليها حتى توصل المحكمة الى استنتاجات بشرط عدم مخالفة الدستور الوطني.
الرأي المخاف تكملة للقرار وليس مخالف
من ناحية اخرى ذكرت سرغلي بان الرأي المخالف لهذا القرار كان تكملة لقرار المحكمة الدستورية وليس رأيا مخالفا في الجوهر. أما خليل فأشار بأن الرأي المخالف يتمثل في شبهة عدم الدستورية في اتفاقية تعطي حصانة لمنظمة دولية مع المادة 30 من القانون الأساسي، وبيّن بأنه كان يأمل أن يبني الرأي المخالف على ذلك بالاعتماد على موضوع الاحالة وهو جوهر الطلب وبالاعتماد على المادة 28 من قانون المحكمة الدستورية العليا والتي تنظم هذا العمل وبالتالي فان المحكمة هي ليست ذات اختصاص وأن يكون الرأي المخالف هو عدم البت في هذا الموضوع.
متى يصبح الطرف بحل من الإتفاقية
وحول طبيعية الاتفاقيات الدولية أشار خليل بأن هذه الاتفاقية محور القضية هي من نوع خاص وهي مرتبطة بحقوق الانسان لانها تشير الى حقوق أساسية، والطبيعي أن الاتفاقية الدولية تلزم دولتين تجاه بعضهما البعض، وفي حالة عدم التزام طرف بهذه الاتفاقية فان الطرف الثاني يصبح في حل عن الالتزامات المترتبة عن هذه الاتفاقية الثنائية، وذكر الدكتور خليل بأن هناك الكثير من الدول تميز بين الاتفاقيات الدولية العادية والاتفاقيات المرتبطة بحقوق الانسان والسبب هو أن هذه الاتفاقيات تعنى بحقوق ملزمة تجاه الجميع (erga omnes) وهي غير مرهونة باحترام الطرف الآخر لمحتوى هذه الاتفاقيات. وأشار خليل بأنه في حال الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان (وليست الحالة موضوع الإحالة) يمكن لمحكمة الموضوع وبالاعتماد على المادة 10 من القانون الأساسي والتي تشير بأن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام ويمكن بالانطلاق منها الاستنتاج بأن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ملزمة بل وتعلو على القانون الوطني ليس لكونها اتفاقية دولية وإنما لتنظيمها لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.